تحمل الدكتورة سترود بعناية قفصًا شبكيًا من البعوض في مختبرها في لانكشاير، شمال غرب إنجلترا. ولكي نكون أكثر دقة، فهذه هي بعوضة أييديز إجيبتي، وهي واحدة من نوعين معروفين بحمل ونقل فيروس حمى الضنك عن طريق اللدغ وإصابة ملايين الأشخاص حول العالم.
هذا النوع من البعوض المقيم في المختبر خالي من العدوى ومحاصر داخل قارورة زجاجية. يتحرك البعوض كله تقريبًا ليمكث على جدار القارورة. إنهم جائعون.
تدرس كلير الحشرات لفهم كيفية انتشار حمى الضنك في جميع أنحاء العالم - وكيف يغذي تغير المناخ هذا الانتشار.
وبينما يجتمع القادة في دبي لحضور مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) – أحدث جولات محادثات المناخ الدولية للأمم المتحدة - يقول الخبراء إن ظاهرة الاحتباس الحراري لها بالفعل "تأثير عميق" على الصحة العالمية.
يوم الأحد كان أول "يوم صحي" رسمي لأي مؤتمر مناخي منذ بدء المؤتمرات في عام 1995. وقالت ماريا نيرا، مديرة إدارة المناخ والبيئة والصحة بمنظمة الصحة العالمية: "لقد حان الوقت لأن تحتل الصحة موقعا مركزيًا في المحادثات. لأنه أمر ملح".
حمى الضنك مرض استوائي، لكنه وصل في السنوات القليلة الماضية إلى أوروبا. وتم العثور على بعوضة أخرى مرتبطة بحمى الضنك، تسمى بعوضة النمر الآسيوي، في مصائد المراقبة في كنت في بريطانيا.
كل هذا دليل على كيفية تكيف الحشرات مع المناخات والبيئات الجديدة. وتساعد الظروف الأكثر دفئًا ورطوبة المرتبطة بالاحتباس الحراري على ازدهار بعض البعوض الذي ينشر الأمراض.
ولكن العلماء يحاولون التصدي للأمر، ومن خلال الجمع بين مراقبة الحشرات والتنبؤات المناخية، يعملون على تطوير طرق للتنبؤ بتفشي الأمراض الجديدة والاستعداد لها.
الوقاية خير من العلاج
يقول العلماء إن فهم الأماكن التي من المرجح أن يحدث فيها تفشي المرض في المستقبل يمكن أن ينقذ ملايين الأرواح. ويعمل أحد المشاريع، بتمويل من مؤسسة ويلكوم تراست، على تطوير أدوات التنبؤ هذه في 12 دولة.
وأوضحت البروفيسور راشيل لوي، التي تقود مجموعة المرونة الصحية العالمية في مركز برشلونة للكمبيوتر العملاق في إسبانيا: "نحن نستخدم صور الأقمار الصناعية، ونجمع البيانات من الطائرات بدون طيار وأجهزة استشعار الطقس".
وقالت إن جمع كل هذا مع معلومات من علماء في هذا المجال يبحثون عن البعوض"يعطي فهمًا أفضل لكيفية تأثير التغيرات في المناخ واستخدام الأراضي على الأمراض التي تنقلها الحشرات".
ومن خلال تحليل أنماط الطقس، والعثور على برك المياه الراكدة التي يتكاثر فيها البعوض، ومراقبة الظروف الأخرى التي تتضافر لتغذية تفشي المرض، يهدف البحث إلى توفير أنظمة إنذار مبكر، وهذا بالتالي سيساعد المجتمعات على الاستعداد لمواجهة المرض.
وقد يأتي هذا الاستعداد في شكل حملة للصحة العامة تحث الناس على حماية أنفسهم باستخدام طارد الحشرات، أو إبلاغ مقدمي الرعاية الصحية أو حتى زيادة جمع صناديق القمامة لتقليل المياه الراكدة حيث يضع البعوض الذي يحمل المرض بيضه.
البعوض يتكيف
وفي البلدان التي تنتشر فيها أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك بالفعل، يمكن لتغير المناخ أن يطيل من فترة المواسم شديدة الخطورة. وتوضح كلير قائلة "ما نراه في أماكن أخرى من العالم هو تحذير بشأن ما سيأتي في المستقبل هنا في بريطانيا. هذا البعوض يستقر الآن في جنوب أوروبا".
وأضافت"إنها حشرات قابلة للتكيف. فهي تكيف سلوكها وحتى وظائفها الفسيولوجية مع أي سيناريو تعيش فيه. حتى أنها وجدت أماكن للبقاء على قيد الحياة في الشتاء تحت الأرض في المناخات الباردة".
وتقول إنه إذا استمر المسار الحالي - دون تقليص انبعاثات الغازات المسببة في الاحتباس الحراري، فإن مناخنا سيصبح أكثر ملاءمة لنشاط البعوض، وبحسب كلير "سيكونون قادرين على البقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء لدينا".
وعلى الصعيد العالمي، زاد عدد حالات حمى الضنك المبلغ عنها لمنظمة الصحة العالمية بشكل كبير في العقدين الماضيين. وفي عام 2000، تم الإبلاغ عن نصف مليون حالة، وبحلول عام 2023، ارتفع هذا العدد إلى 4.5 مليون حالة تم الإبلاغ عنها.
وعادة ما يكون مرضًا خفيفًا، يسبب حمى شديدة لمدة تصل إلى سبعة أيام، يتعافى معظم الناس.
ولكن في البلدان التي كانت فيها معدلات الإصابة بالمرض مرتفعة بالفعل، يتزايد العبء على الخدمات الصحية. ففي بنغلاديش، في وقت سابق من هذا العام، توفي ما يقرب من ألف شخص في تفشي المرض الذي ارتبط بالرياح الموسمية الرطبة غير العادية والمياه الراكدة القذرة التي يتكاثر فيها البعوض.
التنبؤ بالمرض
الفكرة وراء أنظمة الإنذار المبكر هذه هي الجمع بين البيانات من مجموعة متنوعة من المصادر وبناء صورة عن كيفية الارتباط الدقيق بين المناخ وانتقال الأمراض.
وتقوم محطات الأرصاد الجوية بجمع معلومات دقيقة عن الأرصاد الجوية على الأرض، وستساعد الطائرات بدون طيار في تحديد مواقع تكاثر البعوض، وسيقوم الباحثون بجمع المعلومات من المجتمعات المحلية ومسؤولي الصحة.
ويستخدم الكمبيوتر العملاق تلك البيانات لبناء النماذج التنبؤية إذ يتم استخدام هذا النهج في مشروع يسمى "هارمونايز" Harmonize يجري الآن اختباره في عدد قليل من البلدان، بما في ذلك البرازيل وكولومبيا وبيرو وجمهورية الدومينيكان، وهناك آمال أن يتم تكييفه ونشره في أي مكان وفي كل مكان يحتاج إليه.
وتقول راتشيل إن الهدف من هذه الأدوات التنبؤية هو "منع حدوث الأمراض في المقام الأول وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية للمناطق الأكثر احتياجًا، حتى نتمكن من تحقيق وفورات اقتصادية وإنقاذ الأرواح".
وفي بريطانيا يتخذ مسؤولو الأمن الجهاز الصحي إجراءات وقائية. يتم وضع مصائد البعوض في نقاط استراتيجية مثل المطارات والموانئ لمراقبة ما إذا كان البعوض الحامل لحمى الضنك يدخل البلاد.
وتنفذ كلير بعضًا من هذا العمل، باستخدام ما يسمى تشفير الحمض النووي للتعرف على أنواع البعوض الموجودة في تلك الفخاخ.
وقالت "عندما بدأت، إذا أخبرتني أنني سأقوم بمراقبة بعوض حمى الضنك في بريطانيا، كنت سأفاجأ حقًا، لكننا رأينا التقارير الواردة من دول في أوروبا وأمريكا الشمالية، ولم يعد الأمر مفاجأة".
هل يحدث يوم صحي في قمة المناخ فرقًا؟
يتفق الخبراء على أنه نظرا لارتباط تغير المناخ ارتباطا وثيقا بصحة الإنسان، فإن الإجراء الوقائي الأكثر فعالية سيكون الحد من الانبعاثات.
وتقول راتشيل: "يجب أن تكون الصحة في قلب جميع المفاوضات المتعلقة بتغير المناخ". "وعلينا أن نضمن أن العمل المناخي مصمم بحيث تكون الصحة والعدالة في جوهره".
وأضافت كلير: "صحتنا مرتبطة بشكل مباشر بمناخنا، ونحن نرى ذلك مع الأمراض التي ينقلها البعوض. المشكلة سوف تتفاقم. ولن تختفي. لذا، فإنننا نرحب بالمزيد من الاهتمام، والمزيد من التمويل، والمزيد من التركيز على هذه الأنواع من القضايا".